حادثة فريدة من نوعها وقعت منذ فترة قريبة جداً في مدينة نابلس و انتشرت تفاصيلها كالنار في الهشيم بين المواطنين , فبعد خمسة عشر عاماً على استشهاد سمير محمد شحادة , بقي جسده الممدّد داخل روضة من رياض الجنّة على حاله , و لم يتغيّر عليه شيء رغم مرور كلّ هذه المدة الطويلة . لقد اقتضت مشيئة الله تعالى أن تحيا الحاجة أم سامر شحادة (والدة الشهيد سمير) خمسة عشر عاماً بعد استشهاد أحبّ أبنائها الستة إلى قلبها .. سمير .. و منذ اليوم الأول لاستشهاده في 28/12/1988 كانت وصيّتها لأبنائها ألا تدفن بعد وفاتها إلا في نفس قبر سمير , و كان لها ما أرادت , و ربما كانت وفاتها قبل أيام فرصة لعددٍ من أهالي نابلس كي يتزوّدوا بشحنة إيمانية جهادية ترفع من معنوياتهم .. و تحيي هممهم .. و تحلّق بهم إلى العلياء . يقول عامر (شقيق الشهيد سمير) : "قبل يومين من وفاة الوالدة رأيت في منامي رؤيا أيقنت بعدها أن شقيقي قد نال الشهادة بصدق , و أن والدتي ستلحق به عن قريب , فقد رأيت أناساً يتجمّعون في مكان بعيد , و عندما اقتربت منهم رأيت من حولهم الجنان و البساتين و قد أعِدّت موائد الطعام و كان بينهم فتاة حسناء , فسألتهم من تلك الفتاة ؟ فأشاروا لي إلى شاب بهيّ الطلعة , و إذا به شقيقي سمير , و عندما سألته لمن كلّ هذه الأطعمة و الموائد , أجابني : لقد أعددتها لاستقبال والدتنا , فهي على الطريق إلى هنا" . كانت أم سامر قبل وفاتها بأيام ترقد في المستشفى نتيجة وعكة صحية بسبب إصابتها بعدة أمراض , و كان بجانبها ساعة وفاتها فجر الثلاثاء 23/9/2003 ابنها عامر الذي روى لنا تفاصيل الحكاية , فقد نطقت بالشهادتين ثم ارتسمت على وجهها ابتسامة عريضة و أسلمت الروح إلى بارئها . صهر العائلة كان في تلك الأثناء نائم في بيته و رأى في منامه الشهيد سمير يقول له متسائلاً : "القبر و قد فتحتموه .. و قد وسّعت لها القبر .. فأين هي !؟" , و لم يوقظه من نومه إلا جرس الهاتف من المستشفى يبلغه بوفاة الحاجة أم سامر , فما كان منه إلا أن قال لهم : "إذن أسرعوا بدفنها إلى جانب ابنها سمير" . كرامة من الله : يقول عامر : "توجّهنا في الصباح إلى المقبرة الغربية لنفتح قبر شقيقي سمير لتجهيزه قبل دفن الوالدة كما أوصت في حياتها , و كنا قد استفتينا عدداً من الشيوخ و العلماء حول جواز دفنها في نفس قبر ابنها , فأشاروا لنا بالجواز بسبب طول المدة , فقد كنا نعتقد أن مدة 15 عاما كافية لأن لا يبقى من جسده سوى بعض العُظيمات , و كانت المفاجأة الكبرى عندما فتحنا القبر فوجدنا سمير كهيئته يوم استشهاده .. الريح ريح المسك , و اللون لون الدم , و جسده كما هو لم يأكله الدود , حتى ملابسه لم تتلف , و كذا العلم الفلسطيني الذي لُفّ به لم يتغيّر لونه , لمسنا خُفّه فإذا هو مبلول من مياه الأمطار التي تساقطت يوم استشهاده , و كذلك رأسه كان مبتلاً و قد رأينا شعره ممشّطا كما لو أنه قد سرّحه قبل لحظات ! و زادت دهشتنا عندما هممنا بتحريكه لنفسح المجال لدفن الوالدة إلى جانبه , فإذا بجسده لا زال دافئاً و دماؤه الحارّة ذات اللون الأحمر القاني تسيل من جديد و كأنه أصيب قبل دقائق معدودة" . و يضيف عامر : "كنت – رغم إيماني بكرامات الشهداء – أستخفّ بكثير من الروايات التي نسمعها خصوصاً عن شهداء هذا العصر , فهم على عِظم قدرهم ليسوا أنبياء و لا من صحابة رسول الله .... و لكني بعد ما رأيت بعيني ما رأيت من كرامات لشقيقي سمير زاد إيماني و قناعتي بصدق تلك الروايات" . و يقول الشيخ ماهر الخراز و هو إمام مسجد الخضراء القريب من بيت الشهيد سمير , و أحد الذين عرفوا الشهيد عن قرب : "لقد أصبح لشهداء فلسطين كرامة توازي كرامة شهداء "غزوة أحد" من الصحابة الذين بقيت أجسادهم كما هي بعد أربعين سنة من استشهادهم , فعندما أراد أبناء أولئك الشهداء نقل رفاتهم إلى مكان آخر بعد أن جرف قبورهم السيل , وجدوا أن أجسادهم و جروحهم كما هي على حالها يوم غزوة أحد .. و هذه بشرى لأهالي شهداء فلسطين" . و يعود عامر ليكمِل ما بدأه عن أحداث ذلك اليوم فيقول : "قبل أن نضع جثمان الوالدة في قبر سمير خشينا أن لا يتسع القبر لهما , و لكن بمشيئة الله تبدّد خوفنا فقد وجدنا القبر واسعاً رحباً تماماً كما وصفه سمير لزوج أختي في منامه , و عندما وضعنا الوالدة في القبر ازدادت الابتسامة المرسومة على وجهها اتساعاً , فقد نالت ما تمنّت , و لحقت أخيراً بابنها و حبيبها .. سمير اللهم أمتنا على الشهادة احشرنا مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصادقين وحسن أولئك رفيقا ..
مشاركة : من كرامات الشهداء .. في فلسطين
مشاركة : من كرامات الشهداء .. في فلسطين